أخي المسلم: فلا ينبغي لعاقل أن يقنط من رحمة الله تعالى.. ولا يقل إنّ ذنبي كبير، وليعلم أنّ ذنبه مهما كان كبيرا فلن يكون أكبر من رحمة الله.
فبادر أخي المسلم ثم بادر بالدخول إلى رحمة الله من باب التوبة، ولتعلم أنّ هذا الباب لا يغلق إلاّ يوم أن تبلغ الروح الحلقوم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر». فيا أيّها العاصي ارحم نفسك ولا تكن من الغافلين عن رحمة الغفور الرحيم.
أخي: أليس من سعادة التوابين أنّ الله تعالى قال: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: من الآية 222].
أخي أليس من سعادة التوابين أنّ الله يفرح بأوبة الراجعين.. وإقبال المذنبين؟ فالتوبة .. التوبة.. وها هو الباب مفتوح وربّك تعالى يبسط يده بالليل والنهار لقبول التائبين وإقالة المذنبين.
واعلم أخي المسلم أنّ للتوبة فضائل كثيرة عند الله أعدها الله لنا وبشرنا بها وحثنا عليها كي نعود ونلجأ إليه..
منها أنّ الله يمحو عن التائب سيئاته قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة التحريم: من الآية 8]. ومن فضائل التوبة أنّها سبب لنيل محبة الله تعالى وهي أخي الغاية العظمى التي يسعى لإدراكها الصالحون.. ومن أحبه الله تعالى فاز برضوانه وكرامته، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: من الآية 222]. ومن فضائل التوبة أيضا أنّها مفتاح كل فلاح ونجاح والتوفيق بقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: من الآية 31].
أخي المسلم: إنّ أعظم البلاء الذي يقع على من أراد التوبة (تسويف التوبة). يقول سوف أتوب.. سوف أترك الذنوب سوف أتوب بعد فترة.. هذا هو حجاب التوبة الذي حجب الخلق عن الرجوع والإنابة إلى الله تعالى.. ما أسوأ هذا الحجاب الذي حجب العصاة عن التوبة..
أخي: إلى متى وأنت غارق في المعاصي؟
إلى متى وأنت معرض عن طريق النجاة؟
إلى متى وأنت عبد الشيطان؟
إلى متى؟...
أخي: كم من عصاة سوفوا التوبة فأخذهم الموت على غرة وهم لا يشعرون.. فندموا حين لا ينفع الندم.. وتدفقت الدموع وكثرت الحسرات حين لا ينفع الحزن والندم..
قال أبو بكر الواسطي رحمه الله: " التأني في كل شيء حسن إلاّ في ثلاث خصال، عند وقت الصلاة، وعند دفن الميت، والتوبة عند المعصية".
أخي: ألك أما ن من الموت؟
هل تعلم متى ستموت ؟
هل أنذر الموت أحدا؟
هل أمهل الموت أحدا؟
كم من مذنب إذا سئل: لماذا لا تتوب؟ قال: دعوني أتلذذ بشبابي فإذا كبرت تبت وتفرغت للعبادة.. هذا المغرور وغيره كثيرون غرهم ما هم فيه من الصحة والعافية.. ولكن نسي هؤلاء أنّ الموت لا يفرق بين الصغير والكبير.. فكم من صغار وشباب ماتوا، وكم من كبار عمروا وعاشوا..
أخي: أولئك هم الذين عاشوا الأماني الكاذبة.. أفاقوا يوم أن نزل عليهم الموت وهل ينفع الندم يومها؟
أخي المسلم: احذر التسويف.. واحذر من غفلة لا يوقظك منها إلاّ ملك الموت.. واحذر من غفلة تقول بعدها {رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [سورة المؤمنون: من الآيتين 99-100]. فلا يكون لك جوابا يومها إلاّ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [سورة المؤمنون: من الآية 100].
أخي بادر بإطفاء نار المعاصي بالتوبة النصوح.. وإيّاك من ذر الرماد على نار المعاصي بـ (سوف)، ويوم أن ينكشف هذا الرماد ستعلم يومها أنّك كنت في غرور وأماني كاذبات..
فيا أيّها العاصي.. إذا نزل الموت انكشفت الغشاوة عن العيون.. وأيقن المذنب أنّ المذنب أنّ الوعيد شديد.. فيا لها من لحظات فاز فيها السعداء وشقي المذنبون..
أخي المسلم: احذر (سوف) و(سأتوب) فإنّ سوف من أقوى أعوان عدوك اللدود (الشيطان) لا يزال يدعوك إلى تأخير التوبة حتى يفجأك الموت وأنت على غير التوبة..
أخي المسلم: للتوبة شروط لا بد أن تكون في توبتك وأنت مقبل على طريق التائبين.
أولا: الإخلاص في التوبة: اجعل توبتك لله وحده ليس لأحد فيها نصيب، ولتكن كما قال القرطبي: "حياء من الله تعالى لا من غيره". فإنّ العبد إذا أخلص في توبته وفقه الله تعالى في إتمامها وثبته عليها.
ثانيا: الإقلاع عن المعصية: فلتعلم أخي أنّه ليس بتائب من قال: إنّي قد تبت وهو واقع في الشهوات المحرمة، بل وجب على التائب من محرم أن يقلع عنه، وإن كانت توبته من ترك واجب بادر إلى فعله، وإن كانت حقوقا للعباد ردّها إلى أصحابها.
ثالثا: الندم على ما سلف: إنّ العاصي معتد على حقوق الله تعالى، وليس هذا بالهين، فمن تاب ورجع كان لزاما عليه أن يكثر من الندم على ما فرط منه في حق الله تعالى.. عسى الله أن يرحم ويعفو.
رابعا: العزم على عدم العودة إلى الذنب: فلا بد أخي من استحضار هذا الشرط، أن تتوب وأنت عازم على مفارقة الذنب فراقا لا رجعة معه.. وصدق العزم دليل على صدق التوبة.
خامسا: عدم الإصرار: فقد مدح الله تعالى عباده المتقين أنّهم إذا أذنبوا لا يصرون على الذنب، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 135].